الدرة المختصرة في محاسن الدّين الإسلاميّ
الدرة المختصرة في محاسن الدّين الإسلاميّ
تأليف العلامة الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده , ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهد الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد , فإن دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أكمل الأديان وأفضلها , وأعلاها وأجلها , وقد حوى من المحاسن والكمال والصلاح والرحمة والعدل والحكمة ما يشهد لله تعالى بالكمال المطلق وسعة العلم والحكمة , ويشهد لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله حقا , وأنه الصادق المصدوق , الذي لا ينطق عن الهوى { إن هو إلا وحي يوحى } [ سورة النجم : الآية 4 ]
فهذا الدين الإسلامي أعظم برهان , وأجل شاهد لله بالتفرد بالكمال المطلق كله ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة والصدق .
وغرضي من هذا التعليق إبداء ما وصل إليه علمي من بيان أصول محاسن هذا الدين العظيم ; فإني وإن كان علمي ومعرفتي تقصر كل القصور عن إبداء بعض ما احتوى عليه هذا الدين من الجلال والجمال والكمال , وعبارتي تضعف عن شرحه على وجه الإجمال , فضلا عن التفصيل في المقال , وكان ما لا يدرك جميعه ولا يوصل إلى غايته ومعظمه
, فلا ينبغي أن يترك منه ما يعرفه الإنسان لعجزه عما لا يعرفه , فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها { فاتقوا الله ما استطعتم } [ سورة التغابن : الآية 16 ]
وذلك أن في معرفة هذا العلم فوائد متعددة
منها : أن الاشتغال في هذا الموضوع الذي هو أشرف المواضيع وأجلها من أفضل الأعمال الصالحة . فمعرفته والبحث عنه والتفكير فيه وسلوك كل طريق يحصل إلى معرفته خير ما شغل العبد به نفسه , والوقت الذي تنفقه في ذلك هو الوقت الذي لك لا عليك .
ومنها : أن معرفة النعم والتحدث بها قد أمر الله به ورسوله ; وهو من أكبر الأعمال الصالحة ; ولا شك أن البحث في هذا اعتراف وتحدث وتفكر في أجل نعمه , سبحانه , على عباده وهو الدين الإسلامي الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه فيكون هذا التحدث شكرا لله , واستدعاء للمزيد من هذه النعمة .
ومنها : أن الناس يتفاوتون في الإيمان وكماله تفاوتا عظيما , وكلما كان العبد أعرف بهذا الدين وأشد تعظيما له وسرورا به وابتهاجا كان أكمل إيمانا وأصح يقينا . فإنه برهان على جميع أصول الإيمان وقواعده .
ومنها : أن من أكبر الدعوة إلى دين الإسلام شرح ما احتوى عليه من المحاسن التي يقبلها ويتقبلها كل صاحب عقل وفطرة سليمة ; فلو تصدى للدعوة إلى هذا الدين رجال يشرحون حقائقه ويبينون للخلق مصالحه , لكان ذلك كافيا كفاية تامة في جذب الخلق إليه , لما يرون من موافقته للمصالح الدينية والدنيوية ; ولصلاح الظاهر والباطن من غير حاجة إلى التعرض لدفع شبه المعارضين والطعن في أديان المخالفين ; فإنه في نفسه يدفع كل شبهة تعارضه , لأنه حق مقرون بالبيان الواضح , والبراهين الموصلة إلى اليقين .
فإذا كشف عن بعض حقائق هذا الدين صار أكبر داع إلى قبوله ورجحانه على غيره . واعلم أن محاسن الدين الإسلامي عامة في جميع مسائله ودلائله , وفي أصوله وفروعه , وفيما دل عليه من علوم الشرع والأحكام , وما دل عليه من علوم الكون والاجتماع . وليس القصد هنا استيعاب ذلك وتتبعه , فإنه يستدعي بسطا كثيرا .
وإنما الغرض ذكر أمثلة نافعة يستدل بها على سواها , وينفتح بها الباب لمن أراد الدخول ; وهي أمثلة منتشرة في الأصول والفروع والعبادات والمعاملات .
فنقول , مستعينين بالله , راجين منه أن يهدينا ويعلمنا , ويفتح لنا من خزائن جوده وكرمه ما تصلح به أحوالنا وتستقيم به أقوالنا وأفعالنا
دين الإسلام مبني على أصول الإيمان المذكورة في قوله تعالى :
{ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [ سورة البقرة : الآية 136 ]
فهذه الأصول العظيمة التي أمر الله عباده بها هي الأصول التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون , وهي محتوية على أجل المعارف والاعتقادات , من الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه على ألسنة رسله , وعلى بذل الجهد في سلوك مرضاته . فدين أصله الإيمان بالله وثمرته السعي في كل ما يحبه ويرضاه وإخلاص ذلك لله , هل يتصور أن يكون دين أحسن منه وأجل وأفضل ؟
ودين أمر بالإيمان بكل ما أوتيه الأنبياء , والتصديق برسالاتهم , والاعتراف بالحق الذي جاءوا به من عند ربهم , وعدم التفريق بينهم , وأنهم كلهم رسل الله الصادقون , وأمناؤه المخلصون , يستحيل أن يتوجه إليه أي اعتراض وقدح . فهو يأمر بكل حق , ويعترف بكل صدق , ويقرر الحقائق الدينية المستندة إلى وحي الله لرسله , ويجري مع الحقائق العقلية الفطرية النافعة , ولا يرد حقا بوجه من الوجوه , ولا يصدق بكذب ولا يروج عليه الباطل فهو مهيمن على سائر الأديان : يأمر بمحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق ومصالح العباد ; ويحث على العدل والفضل والرحمة والخير , ويزجر عن الظلم والبغي ومساوئ الأخلاق . .
ما من خصلة كمال قررها الأنبياء والمرسلون إلا وقررها وأثبتها ,
وما من مصلحة دينية ودنيوية دعت إليها الشرائع إلا حث عليها , ولا مفسدة إلا نهى عنها وأمر بمجانبتها .
والمقصود : أن عقائد هذا الدين هي التي تزكو بها القلوب , وتصلح الأرواح , وتتأصل بها مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال .
تأمل هذه الشرائع العظيمة وجليل منافعها وما توجبه من السعي في مرضاة الله والفوز بثوابه العاجل والآجل .
وتأمل ما في الصلاة من الإخلاص لله والإقبال التام عليه , والثناء والدعاء والخضوع , وأنها من شجرة الإيمان بمنزلة الملاحظة والسقي للبستان .
فلولا تكرار الصلاة في اليوم والليلة ليبست شجرة الإيمان , وذوى عوده ولكنها تنمو وتتجدد بعبوديات الصلاة .
وانظر إلى ما تحتوي عليه الصلاة من الاشتغال بذكر الله الذي هو أكبر من كل شيء وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر .
وانظر إلى حكم الزكاة وما فيها من التخلق بأخلاق الكرام من السخاء والجود والبعد عن أخلاق اللئام , والشكر لله على ما أولاه من الإنعام , وحفظ المال من المنغصات الحسية والمعنوية , وما فيها من الإحسان إلى الخلق ومواساة المحتاجين , وسداد مصالح المحتاج إليها . فإن في الزكاة دفع حاجة المضطرين المحتاجين , وفيها الاستعانة على الجهاد والمصالح الكلية التي لا يستغني عنها المسلمون , وفيها دفع صولة الفقر والفقراء , وفيها الثقة بخلف الله والرجاء لثوابه وتصديق موعوده .
وفي الصوم من تمرين النفوس على ترك محبوبها , الذي ألفته , حبا لله , وتقربا إليه , وتعويد النفوس وتمرينها على قوة العزيمة والصبر .
وفيه تقوية داعي الإخلاص وتحقيق محبته على محبة النفس , ولذلك كان الصوم لله , اختصه لنفسه من بين سائر الأعمال .
وأما ما في الحج من بذل الأموال وتحمل المشقات والتعرض للأخطار والصعوبات , طلبا لرضى الله والوفادة على الله والتملق له في بيته وفي عرصاته , والتنوع في عبوديات الله في تلك المشاعر التي هي موائد مدها الله لعباده ووفود بيته ,
وما فيها من التعظيم والخضوع التام لله والتذكر لأحوال الأنبياء والمرسلين والأصفياء والمخلصين وتقوية الإيمان بهم , وشدة التعلق بمحبتهم , وما فيه من التعارف بين المسلمين والسعي في جمع كلمتهم واتفاقهم على مصالحهم الخاصة والعامة مما لا يمكن تعداده , فإنه من أعظم محاسن الدين وأجل الفوائد الحاصلة للمؤمنين .
وهذا على وجه التنبيه والاختصار .
دين الإسلام هو دين الحكمة ودين الفطرة ودين العقل والصلاح والفلاح . يوضح هذا الأصل : ما هو محتو عليه من الأحكام الأصولية والفروعية , التي تقبلها الفطر والعقول , وتنقاد لها بوازع الحق والصواب , وما هي عليه من الأحكام وحسن الانتظام , وأنها صالحة لكل زمان ومكان .
فأخباره كلها حق وصدق , لم يأت - ويستحيل أن يأتي - علم سابق أو لاحق بما ينقضها أو يكذبها , وإنما العلوم الحقة كلها تؤازرها وتؤيدها , وهي أعظم برهان على صدقها . وقد حقق المحققون المنصفون أن كل علم نافع , ديني أو دنيوي أو سياسي , فقد دل عليه القرآن دلالة لا ريب فيها .
فليس في شريعة الإسلام ما تحيله العقول , وإنما فيه ما تشهد العقول الزكية بصدقه ونفعه وصلاحه . وكذلك أوامره ونواهيه كلها عدل لا ظلم فيها , فما أمر بشيء إلا وهو خير خالص أو راجح , وما نهى إلا عن الشر الخالص أو الذي مفسدته تزيد على مصلحته .
وكلما تدبر اللبيب أحكامه ازدادإيمانا بهذا الأصل أو علم إنه تنزيل من حكيم حميد .
تأليف العلامة الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده , ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهد الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد , فإن دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أكمل الأديان وأفضلها , وأعلاها وأجلها , وقد حوى من المحاسن والكمال والصلاح والرحمة والعدل والحكمة ما يشهد لله تعالى بالكمال المطلق وسعة العلم والحكمة , ويشهد لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله حقا , وأنه الصادق المصدوق , الذي لا ينطق عن الهوى { إن هو إلا وحي يوحى } [ سورة النجم : الآية 4 ]
فهذا الدين الإسلامي أعظم برهان , وأجل شاهد لله بالتفرد بالكمال المطلق كله ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة والصدق .
وغرضي من هذا التعليق إبداء ما وصل إليه علمي من بيان أصول محاسن هذا الدين العظيم ; فإني وإن كان علمي ومعرفتي تقصر كل القصور عن إبداء بعض ما احتوى عليه هذا الدين من الجلال والجمال والكمال , وعبارتي تضعف عن شرحه على وجه الإجمال , فضلا عن التفصيل في المقال , وكان ما لا يدرك جميعه ولا يوصل إلى غايته ومعظمه
, فلا ينبغي أن يترك منه ما يعرفه الإنسان لعجزه عما لا يعرفه , فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها { فاتقوا الله ما استطعتم } [ سورة التغابن : الآية 16 ]
وذلك أن في معرفة هذا العلم فوائد متعددة
منها : أن الاشتغال في هذا الموضوع الذي هو أشرف المواضيع وأجلها من أفضل الأعمال الصالحة . فمعرفته والبحث عنه والتفكير فيه وسلوك كل طريق يحصل إلى معرفته خير ما شغل العبد به نفسه , والوقت الذي تنفقه في ذلك هو الوقت الذي لك لا عليك .
ومنها : أن معرفة النعم والتحدث بها قد أمر الله به ورسوله ; وهو من أكبر الأعمال الصالحة ; ولا شك أن البحث في هذا اعتراف وتحدث وتفكر في أجل نعمه , سبحانه , على عباده وهو الدين الإسلامي الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه فيكون هذا التحدث شكرا لله , واستدعاء للمزيد من هذه النعمة .
ومنها : أن الناس يتفاوتون في الإيمان وكماله تفاوتا عظيما , وكلما كان العبد أعرف بهذا الدين وأشد تعظيما له وسرورا به وابتهاجا كان أكمل إيمانا وأصح يقينا . فإنه برهان على جميع أصول الإيمان وقواعده .
ومنها : أن من أكبر الدعوة إلى دين الإسلام شرح ما احتوى عليه من المحاسن التي يقبلها ويتقبلها كل صاحب عقل وفطرة سليمة ; فلو تصدى للدعوة إلى هذا الدين رجال يشرحون حقائقه ويبينون للخلق مصالحه , لكان ذلك كافيا كفاية تامة في جذب الخلق إليه , لما يرون من موافقته للمصالح الدينية والدنيوية ; ولصلاح الظاهر والباطن من غير حاجة إلى التعرض لدفع شبه المعارضين والطعن في أديان المخالفين ; فإنه في نفسه يدفع كل شبهة تعارضه , لأنه حق مقرون بالبيان الواضح , والبراهين الموصلة إلى اليقين .
فإذا كشف عن بعض حقائق هذا الدين صار أكبر داع إلى قبوله ورجحانه على غيره . واعلم أن محاسن الدين الإسلامي عامة في جميع مسائله ودلائله , وفي أصوله وفروعه , وفيما دل عليه من علوم الشرع والأحكام , وما دل عليه من علوم الكون والاجتماع . وليس القصد هنا استيعاب ذلك وتتبعه , فإنه يستدعي بسطا كثيرا .
وإنما الغرض ذكر أمثلة نافعة يستدل بها على سواها , وينفتح بها الباب لمن أراد الدخول ; وهي أمثلة منتشرة في الأصول والفروع والعبادات والمعاملات .
المثال الأول
فنقول , مستعينين بالله , راجين منه أن يهدينا ويعلمنا , ويفتح لنا من خزائن جوده وكرمه ما تصلح به أحوالنا وتستقيم به أقوالنا وأفعالنا
دين الإسلام مبني على أصول الإيمان المذكورة في قوله تعالى :
{ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [ سورة البقرة : الآية 136 ]
فهذه الأصول العظيمة التي أمر الله عباده بها هي الأصول التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون , وهي محتوية على أجل المعارف والاعتقادات , من الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه على ألسنة رسله , وعلى بذل الجهد في سلوك مرضاته . فدين أصله الإيمان بالله وثمرته السعي في كل ما يحبه ويرضاه وإخلاص ذلك لله , هل يتصور أن يكون دين أحسن منه وأجل وأفضل ؟
ودين أمر بالإيمان بكل ما أوتيه الأنبياء , والتصديق برسالاتهم , والاعتراف بالحق الذي جاءوا به من عند ربهم , وعدم التفريق بينهم , وأنهم كلهم رسل الله الصادقون , وأمناؤه المخلصون , يستحيل أن يتوجه إليه أي اعتراض وقدح . فهو يأمر بكل حق , ويعترف بكل صدق , ويقرر الحقائق الدينية المستندة إلى وحي الله لرسله , ويجري مع الحقائق العقلية الفطرية النافعة , ولا يرد حقا بوجه من الوجوه , ولا يصدق بكذب ولا يروج عليه الباطل فهو مهيمن على سائر الأديان : يأمر بمحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق ومصالح العباد ; ويحث على العدل والفضل والرحمة والخير , ويزجر عن الظلم والبغي ومساوئ الأخلاق . .
ما من خصلة كمال قررها الأنبياء والمرسلون إلا وقررها وأثبتها ,
وما من مصلحة دينية ودنيوية دعت إليها الشرائع إلا حث عليها , ولا مفسدة إلا نهى عنها وأمر بمجانبتها .
والمقصود : أن عقائد هذا الدين هي التي تزكو بها القلوب , وتصلح الأرواح , وتتأصل بها مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال .
المثال الثاني
شرائع الإسلام الكبار بعد الإيمان : هي إقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج البيت الحرام .
شرائع الإسلام الكبار بعد الإيمان : هي إقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج البيت الحرام .
تأمل هذه الشرائع العظيمة وجليل منافعها وما توجبه من السعي في مرضاة الله والفوز بثوابه العاجل والآجل .
وتأمل ما في الصلاة من الإخلاص لله والإقبال التام عليه , والثناء والدعاء والخضوع , وأنها من شجرة الإيمان بمنزلة الملاحظة والسقي للبستان .
فلولا تكرار الصلاة في اليوم والليلة ليبست شجرة الإيمان , وذوى عوده ولكنها تنمو وتتجدد بعبوديات الصلاة .
وانظر إلى ما تحتوي عليه الصلاة من الاشتغال بذكر الله الذي هو أكبر من كل شيء وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر .
وانظر إلى حكم الزكاة وما فيها من التخلق بأخلاق الكرام من السخاء والجود والبعد عن أخلاق اللئام , والشكر لله على ما أولاه من الإنعام , وحفظ المال من المنغصات الحسية والمعنوية , وما فيها من الإحسان إلى الخلق ومواساة المحتاجين , وسداد مصالح المحتاج إليها . فإن في الزكاة دفع حاجة المضطرين المحتاجين , وفيها الاستعانة على الجهاد والمصالح الكلية التي لا يستغني عنها المسلمون , وفيها دفع صولة الفقر والفقراء , وفيها الثقة بخلف الله والرجاء لثوابه وتصديق موعوده .
وفي الصوم من تمرين النفوس على ترك محبوبها , الذي ألفته , حبا لله , وتقربا إليه , وتعويد النفوس وتمرينها على قوة العزيمة والصبر .
وفيه تقوية داعي الإخلاص وتحقيق محبته على محبة النفس , ولذلك كان الصوم لله , اختصه لنفسه من بين سائر الأعمال .
وأما ما في الحج من بذل الأموال وتحمل المشقات والتعرض للأخطار والصعوبات , طلبا لرضى الله والوفادة على الله والتملق له في بيته وفي عرصاته , والتنوع في عبوديات الله في تلك المشاعر التي هي موائد مدها الله لعباده ووفود بيته ,
وما فيها من التعظيم والخضوع التام لله والتذكر لأحوال الأنبياء والمرسلين والأصفياء والمخلصين وتقوية الإيمان بهم , وشدة التعلق بمحبتهم , وما فيه من التعارف بين المسلمين والسعي في جمع كلمتهم واتفاقهم على مصالحهم الخاصة والعامة مما لا يمكن تعداده , فإنه من أعظم محاسن الدين وأجل الفوائد الحاصلة للمؤمنين .
وهذا على وجه التنبيه والاختصار .
المثال الثالث
ما أمر به الشارع وحث عليه من وجوب الاجتماع والائتلاف ونهيه وتحذيره عن التفرق والاختلاف , على هذا الأصل الكبير من نصوص الكتاب والسنة شيء كثير .
وقد علم كل من له أدنى معقول منفعة هذا الأمر , وما يترتب عليه من المصالح الدينية والدنيوية , وما يندفع به من المضار والمفاسد . ولا يخفى أيضا أن القوة المعنوية المبنية على الحق , هذا أصلها الذي تدور عليه ; كما أنه قد علم ما كان عليه المسلمون في صدر الإسلام من استقامة الدين وصلاح الأحوال والعزة التي لم يصل إليها أحد سواهم إذ كانوا مستمسكين بهذا الأصل قائمين به حق القيام ; موقنين أشد اليقين أنه روح دينهم .
يزيد هذا بيانا وإيضاحا :
أن دين الإسلام دين رحمة وبركة وإحسان , وحث على منفعة نوع الإنسان . فما اشتمل عليه هذا الدين من الرحمة وحسن المعاملة والدعوة إلى الإحسان , والنهي عن كل ما يضاد ذلك هو الذي صيره نورا وضياء بين ظلمات الظلم والبغي وسوء المعاملة وانتهاك الحرمات ,
وهو الذي جذب قلوب من كانوا قبل معرفته ألد أعدائه حتى استظلوا بظله الظليل , وهو الذي عطف وحنا على أهله ,
حتى صارت الرحمة والعفو والإحسان يتدفق من قلوبهم على أقوالهم وأعمالهم , وتخطاهم إلى أعدائه , حتى صاروا من أعظم أوليائه .
فمنهم من دخل فيه بحسن بصيرة وقوة وجدان , ومنهم من خضع له ورغب في أحكامه وفضلها على أحكام أهل دينه , لما فيها من العدل والرحمة .
ما أمر به الشارع وحث عليه من وجوب الاجتماع والائتلاف ونهيه وتحذيره عن التفرق والاختلاف , على هذا الأصل الكبير من نصوص الكتاب والسنة شيء كثير .
وقد علم كل من له أدنى معقول منفعة هذا الأمر , وما يترتب عليه من المصالح الدينية والدنيوية , وما يندفع به من المضار والمفاسد . ولا يخفى أيضا أن القوة المعنوية المبنية على الحق , هذا أصلها الذي تدور عليه ; كما أنه قد علم ما كان عليه المسلمون في صدر الإسلام من استقامة الدين وصلاح الأحوال والعزة التي لم يصل إليها أحد سواهم إذ كانوا مستمسكين بهذا الأصل قائمين به حق القيام ; موقنين أشد اليقين أنه روح دينهم .
يزيد هذا بيانا وإيضاحا :
أن دين الإسلام دين رحمة وبركة وإحسان , وحث على منفعة نوع الإنسان . فما اشتمل عليه هذا الدين من الرحمة وحسن المعاملة والدعوة إلى الإحسان , والنهي عن كل ما يضاد ذلك هو الذي صيره نورا وضياء بين ظلمات الظلم والبغي وسوء المعاملة وانتهاك الحرمات ,
وهو الذي جذب قلوب من كانوا قبل معرفته ألد أعدائه حتى استظلوا بظله الظليل , وهو الذي عطف وحنا على أهله ,
حتى صارت الرحمة والعفو والإحسان يتدفق من قلوبهم على أقوالهم وأعمالهم , وتخطاهم إلى أعدائه , حتى صاروا من أعظم أوليائه .
فمنهم من دخل فيه بحسن بصيرة وقوة وجدان , ومنهم من خضع له ورغب في أحكامه وفضلها على أحكام أهل دينه , لما فيها من العدل والرحمة .
المثال الرابع
دين الإسلام هو دين الحكمة ودين الفطرة ودين العقل والصلاح والفلاح . يوضح هذا الأصل : ما هو محتو عليه من الأحكام الأصولية والفروعية , التي تقبلها الفطر والعقول , وتنقاد لها بوازع الحق والصواب , وما هي عليه من الأحكام وحسن الانتظام , وأنها صالحة لكل زمان ومكان .
فأخباره كلها حق وصدق , لم يأت - ويستحيل أن يأتي - علم سابق أو لاحق بما ينقضها أو يكذبها , وإنما العلوم الحقة كلها تؤازرها وتؤيدها , وهي أعظم برهان على صدقها . وقد حقق المحققون المنصفون أن كل علم نافع , ديني أو دنيوي أو سياسي , فقد دل عليه القرآن دلالة لا ريب فيها .
فليس في شريعة الإسلام ما تحيله العقول , وإنما فيه ما تشهد العقول الزكية بصدقه ونفعه وصلاحه . وكذلك أوامره ونواهيه كلها عدل لا ظلم فيها , فما أمر بشيء إلا وهو خير خالص أو راجح , وما نهى إلا عن الشر الخالص أو الذي مفسدته تزيد على مصلحته .
وكلما تدبر اللبيب أحكامه ازدادإيمانا بهذا الأصل أو علم إنه تنزيل من حكيم حميد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق