الأربعاء، 6 سبتمبر 2023

حكم السحر والكهانة والتنجيم ....

  حكم السحر والكهانة والتنجيم ....


بسم الله، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:



فإن تعاطي السحر والكهانة والتنجيم من أعظم المنكرات، ومن أعظم الفساد في الأرض، بل من أنواع الكفر الأكبر فيما يتعلق بالسحر والاعتقاد في النجوم، وأن لها تصرفا في المخلوقات، أما الكهانة ففي حكمها تفصيل.



ولا شك أن الواجب على كل مسلم عرف الباطل أن ينكره، وأن يحاربه، وأن يتعاون مع إخوانه المسلمين في محاربته، كما قال عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] وقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71] وكل مجتمع يقل فيه العلم ويغلب فيه الجهل تكثر فيه هذه الشرور من السحر والكهانة والتنجيم، وسائر أنواع الشعوذة؛ لعدم وجود الرادع عنها، والمنكر لها، وعدم وجود الوازع السلطاني، والوازع الإيماني، وكل مجتمع يكثر فيه أهل الإيمان والعلم ويقل فيه أهل الجهل تقل فيه هذه الشرور وهذه الأباطيل.



وقد كانت هذه الجزيرة العربية في منتصف القرن الثاني عشر وما قبله بأزمنة كثيرة مليئة من هذه الشرور؛ من الكهانة، والسحر، والشرك بعبادة الأصنام والأوثان والأشجار والجن، وغير ذلك في أرجاء الجزيرة جنوبها وشمالها، حتى يسر الله الإمام المصلح الموفق الشيخ العلامة شيخ الإسلام في عصره: محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه فقام بالدعوة إلى الله، وبذل وسعه في بيان ما شرع الله لعباده وما حرمه عليهم، وبيان حقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وبعث الله به محمدا عليه الصلاة والسلام، وألف المؤلفات في ذلك، مثل: (كتاب التوحيد)، وقد بين فيه ما يتعلق بالكهانة والسحر والتنجيم.



وألف رسالة صغيرة هي: (ثلاثة الأصول) فيها أصول العقيدة، وألف كتاب: (كشف الشبهات) الذي بين فيه شبها كثيرة، يشبه فيها أعداء الله على المسلمين من عباد الأصنام والأوثان، وألف العلماء قبله مؤلفات كثيرة في بيان هذه الشرور والتحذير منها، ولكن الله وفقه للقيام بمحاربة هذه الشرور والنشاط فيها، وبذل الدروس المفيدة والمحاضرات العظيمة، وساعده في ذلك من منَّ الله عليه بالهداية من العلماء الأخيار، من أبنائه وغيرهم من علماء عصره الذين وفقهم الله للهداية حتى حاربوا هذه الشرور، وحتى طهر الله بهم هذه الجزيرة منها، ولا سيما شمالها وحصل في اليمن والهند والشام والعراق وغير ذلك من آثار هذه الدعوة خير كثير، ونقل العلماء إلى بلادهم عن علماء هذه البلاد - حين يجتمعون بهم في الحرمين وغيرهما - هذه العقيدة الطيبة، ونشروها في بلاد كثيرة: الهند، والشام، ومصر، والعراق، وغير ذلك، حتى هدى الله بذلك من شاء من أهل تلك البلاد.



فكل مجتمع ينشط فيه الحق ويكثر فيه دعاة الحق يختفي فيه هؤلاء الضالون من المنجمين والكهنة والسحرة، ودعاة الشرك، وكل مجتمع يغلب فيه الجهل ويقل فيه العلم يكثر فيه الباطل وأهله ويجدون مجالا لنشر أباطيلهم.


والواجب على أهل العلم والإيمان في كل مكان في هذه الجزيرة وفي غيرها أن يبذلوا وسعهم في محاربة الباطل، ونشر الحق، بالمحاضرات، والدروس، والندوات، وخطب الجمعة، وخطب الأعياد، وغير ذلك عند كل مناسبة، وفي الإذاعة والتلفاز، وفي الصحافة حتى ينتشر الحق، وحتى يعلم الجهال ما وقعوا فيه من الباطل، وحتى تكشف عورات هؤلاء الضالين من المنجمين والكهنة والرمالين والسحرة، ودعاة الباطل بسائر أنواعه.



وإني أنصح كل مسلم أن يعنى بكتاب الله: وهو القرآن الكريم، ويتدبره فيكثر من تلاوته، ويتدبر معانيه، وكذلك يدارسه بعض إخوانه حتى يستفيد بعضهم من بعض، وهكذا يسأل أهل العلم عما أشكل عليه، ويحضر حلقات العلم، ولا سيما في هذا العصر الذي قل فيه العلم وغلب فيه الجهل في غالب الأمصار.



والواجب على كل من تهمه نفسه ويخشى عليها الهلاك: أن يحرص على طلب العلم وعلى حلقات العلم ليستفيد ويفيد، ولو بعدت دياره، فعليه أن يسافر لطلب العلم لدى علماء السنة حتى يحضر دروسهم ويستفيد مما يقال عن الله وعن رسوله وعن أهل العلم والتحقيق والبصيرة؛ لبيان ما وقع الناس فيه من الباطل، ولبيان ما أوجب الله وما حرم الله حتى يكثر العلم وينتشر الخير.

وقد من الله سبحانه في أول هذا القرن، وفي آخر القرن الرابع عشر بحركة كثيرة إسلامية، وانتباه ويقظة عظيمة بأسباب المحاضرات والندوات الكثيرة، وما يلقى في الصحف وفي الإذاعات، وفي الخطب المنبرية، وفي غير ذلك من الاجتماعات من أنواع العلم والخير في بلدان كثيرة، فحصل بذلك بحمد الله خير كثير ويقظة وانتباه.


فنسأل الله أن يزيد المسلمين خيرا، وأن يوفق علماءهم لنشر ما عندهم من العلم، والاستمرار في ذلك، والصدق فيه والصبر على ذلك، وأن يوفق المسلمين لقبول الحق والانتفاع بأهل العلم والاستفادة منهم، والسؤال عما ينفعهم، قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وقد بين الله في كتابه الكريم، وفي سنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم كل ما يحتاجه العباد في أمر دينهم ودنياهم، كما قال الله سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] وقال عز وجل: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89] وقال سبحانه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] والآيات في هذا المعنى كثيرة.


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى رواه البخاري في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: إنما أنا لكم كالوالد أعلمكم ما ينفعكم وقال عليه الصلاة والسلام: ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.


فالواجب على كل مسلم أن يتقي الله، وأن يتفقه في الدين عن إخلاص وصدق، وبذلك يوفق -إن شاء الله- ويفوز بالمطلوب، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى وقال عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة.


والأحاديث في الترغيب في العلم والحث عليه كثيرة، فنسأل الله أن يوفق المسلمين في كل مكان للعلم النافع والعمل به، إنه سميع قريب.


ومن الوسائل لتحصيل العلم النافع: متابعة ما يبث بواسطة إذاعة القرآن الكريم. من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والمحاضرات المفيدة، والندوات العلمية، وبرنامج نور على الدرب، وغير ذلك من الفوائد الكثيرة؛ فنوصي جميع المسلمين في كل مكان بأن يستفيدوا من هذه الإذاعة -أعني: إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية - لما في ذلك من الخير العظيم، والعلم النافع، والفوائد المهمة، وكشف الشبهات التي يروجها أهل الباطل... إلى غير ذلك من الفوائد النافعة في الدين والدنيا.

نسأل الله أن يوفق المسلمين لكل خير، وأن يجزي الحكومة السعودية عن جهودها خيرا، وأن يصلح لها البطانة وينصر بها الحق، وأن يوفق علماء المسلمين في كل مكان لنشر الحق والدعوة إليه والصبر على ذلك، إنه جواد كريم.



هذا العلم المبثوث من الإذاعة المذكورة علم عظيم ساقه الله إلى الناس في كل مكان بسهولة ويسر؛ ليستفيد منه الإنسان وهو في فراشه، وهو في منزله، وهو في سيارته وغير ذلك، فينبغي أن يغتنم هذا العلم ولا سيما برنامج نور على الدرب، نسأل الله أن ينفع به المسلمين، وأن يمن باستمراره على يد العلماء والأخيار الصالحين الموفقين.

أما موضوع السحر والكهانة والتنجيم: فهو موضوع خطير، كما أسلفنا في أول هذا الحديث.


والخلاصة في هذه الأمور الثلاثة: أن الساحر يتعاطى أمورا يسحر بها الناس تارة بالتخييل، كما قال الله عن سحرة فرعون: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] يعملون أشياء تغير مناظر الأمور في أعين الناس حتى يروا الأشياء على غير ما هي عليه، كما قال تعالى في سورة الأعراف: فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] فهم يفعلون أشياء تسحر العيون حتى يرى الحبل حية والعصا حية تمشي، وهي ليست حية وإنما هي عصا أو حبل، وكذلك يسحرون الناس بأمور أخرى مما يبغض الرجل إلى امرأته، والمرأة إلى زوجها، مما يسحرون به أعينهم، وبما يعطونهم من أدوية خبيثة يتلقونها عن الشياطين، وبما يعقدون من العقد التي ينفثون فيها بدعوة غير الله من الشياطين، والاستعانة بهم في إضرار الناس، فيخيل للرجل أن زوجته غير الزوجة المعروفة فيراها في طلعة قبيحة ينفر منها ويبغضها، ويخيل للمرأة أن زوجها غير زوجها المعروف في صورة قبيحة وفي صورة مفزعة، بأسباب ما وقع من هؤلاء المجرمين.


فسحرهم على نوعين: نوع يكون بالتخييل والتزوير على العيون حتى ترى الأشياء على غير ما هي عليه.


ونوع آخر منه ما يسمى: الصرف والعطف، يكون بالعقد والنفث والأدوية التي يصنعونها من وحي الشياطين، وما تزينه لهم ويدعونهم إليه، وهذا النوع الثاني يحصل به تحبيب الرجل إلى امرأته، أو بغضه لها والعكس، وهكذا غير الزوج والزوجة مع الناس الآخرين، ولهذا شرع الله لنا الاستعاذة من شر النفاثات في العقد، وشرع لنا الاستعاذة من كل سوء.


وحكم الساحر الذي يعلم منه أنه يخيل على الناس، أو يترتب على عمله مضرة على الناس، من سحر العيون، والتزوير عليها، أو تحبيب الرجل إلى امرأته والمرأة إلى زوجها، أو ضد ذلك مما يضر الناس، متى ثبت ذلك بالبينة لدى المحاكم الشرعية وجب قتل هذا الساحر، ولا يقبل منه توبة ولو تاب.


وقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى عماله بقتل السحرة وعدم استتابتهم، وثبت عن ابنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمرت بقتل الجارية التي سحرتها فقتلت، وثبت عن جندب الخير، ويقال: جندب بن عبدالله البجلي رضي الله عنه أنه وجد ساحرا يلعب عند الوليد فأتاه من حيث لا يعلم فقتله، وقال: حد الساحر ضربه بالسيف يروى عنه مرفوعاً وموقوفاً، والصحيح عند أهل العلم: أنه موقوف من كلام جندب رضي الله عنه.


وقد سبق ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه أمر عماله - أعني: أمراءه- بقتل السحرة، لمنع فسادهم في الأرض، وإيذائهم للمسلمين وإدخالهم الضرر على الناس، فمتى عرفوا وجب على ولاة أمر المسلمين قتلهم، ولو قالوا: تبنا؛ لأنهم لا يؤمنون، لكن إن كانوا صادقين في التوبة نفعهم ذلك عند الله عز وجل؛ لعموم قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: التوبة تهدم ما كان قبلها والأدلة في هذا كثيرة.


أما من جاء إلى ولاة الأمور من غير أن يقبض عليه يخبر عن توبته، وأنه كان فعل كذا فيما مضى من الزمان وتاب إلى الله سبحانه وظهر منه الخير فهذا تقبل توبته؛ لأنه جاء مختارا طالبا للخير معلنا توبته من غير أن يقبض عليه أحد أو يدعي عليه أحد، والمقصود: أنه إذا جاء على صورة ليس فيها حيلة ولا مكر فإن مثل هذا تقبل توبته؛ لأنه جاء تائبا نادما، كغيره من الكفرة ممن يكون له سلف سيئ ثم يمن الله عليه بالتوبة من غير إكراه ولا دعوى عليه من أحد.


وأما الكهان: فهم أناس يدعون علم الغيب بواسطة قرنائهم من الجن فيقولون: كان كذا وكذا، وسيكون كذا وكذا، وفلان سوف يصيبه كذا، أو فلان سوف يتزوج فلانة، وفلان سوف يقتل في وقت كذا... إلى غير هذا مما يدعون.


فهم في هذه الأقوال تارة يكذبون، وقد يقع القدر بما يقولون فيظن المغفلون أنه بأسباب صدقهم، ويظن الجهلة ذلك، وتارة بما تلقي إليهم الشياطين مما يسترقون السمع من السماء فيسمع الكلمة الصادقة ويكذب معها الشيء الكثير، كما جاء في الحديث، أنهم يكذبون معها مائة كذبة، وقد يزيدون، كما في الحديث الآخر، وقد يكذبون كذبات لا حصر لها، فيقول الناس: صدقوا في يوم كذا وكذا ثم يصدقونهم في كل شيء، وهذا من الابتلاء والامتحان.


وتارة بواسطة الشياطين الذين يتجسسون على الناس، فإن كل إنسان معه شيطان، فهذا الشيطان الذي معك يلقي إليه أولياؤه من الشياطين الذين مع الكهنة وعند الكهنة وعند السحرة فيخبرهم ببعض الأشياء التي فعلها الإنسان حتى يروج باطل هذا الساحر وهذا الكاهن بأسباب ما تلقيه إليه الشياطين مما قد وقع في البيوت والبلدان، ومما قد يسترق من السمع فيظن الجهلة والمغفلون أن هذا بعلمهم وبصيرتهم، وأن عندهم شيئا من علم الغيب.


فالواجب الحذر من هؤلاء الكهنة والعرافين، وأن لا يصدقوا ولو قالوا: إنه وقع كذا وكذا مما قد تخبرهم به شياطينهم وأصحابهم في البيوت أو البلدان التي يخبرون عنها، فلا يجوز أن يصدقوا ولا أن يلتفت إلى كلامهم، ولا يجوز أن يقروا على باطلهم، بل يجب على ولاة الأمر منعهم وعقابهم بما يقتضيه الشرع المطهر، قد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: لا تأتوهم وقال ليسوا بشيء وقال: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم يقبل له صلاة أربعين ليلة رواه مسلم في الصحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.


وما ذلك إلا لأن علم الغيب من خصائص الله سبحانه وتعالى فمن ادعاه كفر بذلك، لقول الله سبحانه: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ[الأنعام:59] وقوله عز وجل: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ [النمل:65] وقوله سبحانه: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188] هكذا يقول عليه الصلاة السلام بما أمره الله أن يبلغ الناس، وأنه لا يعلم الغيب، وقال عز وجل: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام:50] هكذا أمره الله أن يبلغ الناس عليه الصلاة والسلام: أنه لا يعلم الغيب، وليس عنده خزائن الله وأنه ليس بملك.


فالواجب على المسلم أن يحذر هذه الشرور، وأن يتباعد عنها، وأن لا يأتي أهلها، ولو مات مريضا، فالموت علمه عند الله جل وعلا، وشفاء الأمراض بيد الله سبحانه وتعالى ليس بيد زيد ولا عمرو، فليعالج بالعلاج الشرعي، العلاج المباح: عند الأطباء، وعند القراء، وعند من يعرفون بالخير، عند الأطباء الذين عرفوا مرضه وشخصوه، أو عند غيرهم من القراء المعروفين بالخير من أهل الخير والفضل، ففي كتاب الله شفاء لأمراض كثيرة، قال جل وعلا: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، وقال سبحانه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [البقرة:255] وقد ينفع الله به من أمراض كثيرة، والأمر إلى الله جل وعلا إن شاء نفع بهذا الدواء من الطبيب أو من القارئ، وإن شاء جعل هذا المرض سببا للموت؛ لأنه قد انتهى أمر صاحبه ولا حيلة فيه.


وقد رقى بعض الصحابة لديغا من رؤساء العرب، وقد جمعوا له كل شيء وفعلوا كل شيء لعلاجه فلم ينفعه، فمر عليهم ركب من الصحابة رضي الله عنهم فقالوا لهم: هل منكم راق؟ قالوا: نعم، فرقاه بعضهم بفاتحة الكتاب: وهي الحمد فقط، كررها عليه حتى شفاه الله وقام كأنما نشط من عقال، وكأنه لم يصب بلدغة، فقد عافاه الله في الحال، فإذا كان القارئ يحمل الإيمان والصدق والإخلاص، وكان المقروء عليه ممن يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم عظمة القرآن، وأنه كلام الله، وأن الله سبحانه هو الذي بيده الشفاء، فإنه يتركب من هذا وهذا من إيمان القارئ وإيمان المقروء عليه، ومن صدق هذا وهذا الخير الكثير، وإجابة الدعاء، والتأثر بالقرآن الكريم، وزوال المرض بإذن الله عز وجل، ولا ينبغي أن يغتر الإنسان بكون الساحر أو الكاهن يقرأ القرآن فيقول: هذا طيب، فإن الشياطين قد يقرءون القرآن وهم على شيطنتهم وعلى خبثهم، وقد يقرأ الكفار القرآن ولا ينفعهم ولا يفيدهم؛ لعدم إيمانهم به وعدم إسلامهم.


وقد ذكر ابن كثير رحمه الله حديثا ثبت في صحيح البخاري: (عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعني فإني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال: فخليت عنه فأصبحت فقال النبي: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت يا رسول الله شكى حاجة شديدة وعيالا فرحمته وخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني؛ فإني محتاج وعلي عيال لا أعود، فرحمته وخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله شكى حاجة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود، فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: وما هي؟ قال: إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال: ما هي؟ قال لي: إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة قلت: لا. قال: ذاك شيطان اهـ.


والمقصود: أن الشياطين وهكذا نوابهم وأولياؤهم من الكهنة والمنجمين والرمالين والعرافين قد يقرءون القرآن كثيرا عند العامة، وعند الناس حتى يوهموا أنهم ليسوا أهل شر، وليسوا أهل فساد حتى يأخذوا أموال الناس ويبتزوها بكذبهم وافترائهم وما ينقلونه عن شياطين الجن، وما يفعلونه من الشرك بالله وعبادة غيره من الذبح للجن والاستغاثة بهم والنذر لهم.. إلى غير هذا من ولايتهم لهم، فإن الجن يستمتعون بالإنس حتى يعبدوهم من دون الله، والإنس يستمتعون بالجن بما يخبرونهم به من أمور الغيب.


فالواجب الحذر من هذه البلايا وهذه المحن، وتحذير الناس من ذلك، وأن يكتفي من عنده المريض بما شرع الله وأباح من العلاج الحسي المعروف عند الأطباء المعروفين، فكل مرض له طبيب خاص به، فيطلب من الأطباء المختصين أن يعالجوه، ومن القراء المعروفين بحسن العقيدة والقراءة على المرضى أن يقرءوا عليه، والله سبحانه هو الذي بيده الشفاء.


ثم إن المريض نفسه عليه أن يتحصن بحصن الله، وعليه أن يجتهد بالتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ويكثر من ذلك صباحا ومساء ويقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم (ثلاث مرات) صباحا ومساء، كل هذه من أسباب السلامة والحفظ من كل بلاء، وهكذا قراءة: آية الكرسي بعد كل صلاة بعد الأذكار الشرعية، وقراءتها عند النوم، وقراءة: قل هو الله أحد، والمعوذتين بعد كل صلاة من أسباب العافية والسلامة، وقراءتها بعد المغرب وبعد الفجر (ثلاث مرات) كل ذلك من أسباب العافية والسلامة إن شاء الله، وهكذا قراءة السور الثلاث المذكورة عند النوم (ثلاث مرات) تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقد كان إذا اشتكى يقرأ السور الثلاث المذكورة في كفيه عند النوم ثلاث مرات يمسح في كل مرة بيديه على ما استطاع من جسده بادئا برأسه ووجهه وصدره، هكذا جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، وعلى المريض أن يلجأ إلى الله سبحانه دائما، يسأله العافية من كل شيطان ومن كل شر، فالعبد يلجأ إلى الله ويتضرع إليه دائما ويسأله من فضله، والله سبحانه هو القريب المجيب جل وعلا، وهو القادر على كل شيء، وهو القائل سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:187].


وينبغي للمؤمن أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن يصبر ويحتسب، مع الدعاء وبذل الأسباب المباحة النافعة ويأخذ بها، وهو يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، قال تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] وقد ثبت عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال لابنه: (إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، جفت الأقلام وطويت الصحف).


فالمؤمن يتعاطى الأسباب ويفعلها، مع الإيمان بأن قدر الله نافذ، وأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، حتى يكون مطمئن القلب، مستريح النفس، مستريح البال، ولا يمنعه ذلك من تعاطي الأسباب الشرعية والحسية المباحة.


وأما التنجيم فإنه أيضا شعبة من شعب دعوى علم الغيب، وهو من عمل العرافين والمشعوذين، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد.


والمنجم يلبس على الناس، ويقول: إذا صادف اسمك أو اسم أمك أو اسم أبيك نوء كذا ونوء كذا جرى كذا وكذا، وربما شبه على الناس فقال: أعطني اسمك واسم أمك واسم أبيك وأنا أنظر - بزعمه أنه ينظر في النجوم - فإذا توافقت الأسماء على ما يزعم يكون كذا ويقع كذا ويقع كذا، وكل هذا من الخرافات والباطل، وكله من التلبيس على الناس حتى يأخذوا أموالهم بغير حق، وقد يصادف القدر حاجة شخص فيظن المسكين أنه بأسباب هذا المنجم أو بأسباب هذا الكاهن حصل هذا الأمر، وقد يكون وصف لشخص دواء آخر غير ما يزعمه عن النجوم والتنجيم من الأدوية المعروفة، والتي يعرفها لهذا المرض فيظن المريض أنه حصل له الشفاء بأسباب دعوى هذا المنجم علم الغيب، أو من أسباب تعاطيه النظر في النجوم، أو غير ذلك.


فالحاصل: إن وجود الشفاء في بعض الأحيان بعد إتيان الكهان أو المنجمين أو الرمالين أو غيرهم لا يدل على صحة ما هم عليه، فالمشركون أنفسهم عباد الأصنام، قد يأتون إلى الصنم ويسألونه فيقع لهم ما أرادوا بإذن الله عز وجل صدفة ولحكمة أرادها الله جل وعلا، أو بواسطة الشياطين فصارت ابتلاء وامتحانا لا من الصنم، فالصنم ما فعل شيئا، والجني الذي عنده ما فعل شيئا، ولكن قد يوافق القدر أن هذا المرض يزول، وهذا البلاء يزول بعد ما جاء هذا المسكين إلى الصنم وسأله أو ذبح له، فيقع ذلك ابتلاء وامتحانا، من غير أن يكون ذلك من عمل الساحر، أو من عمل الصنم، أو من عمل الجن، أو غير ذلك، فيقع للمشركين أشياء تغريهم بأصنامهم حتى يعبدوها من دون الله.


فلا ينبغي للعاقل أبدا أن يغتر بما يقع على أيدي هؤلاء المنجمين، أو الكهنة والعرافين أو السحرة، بل يجب أن يبتعد عنهم وأن لا يصدقهم، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة وهي حل السحر عن المسحور قال: هي من عمل الشيطان يعني: حل السحر على يد الساحر، هو من عمل الشيطان؛ لأنه يحله بدعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله، وعمل ما حرمه الله، ولكن حل السحر إذا كان بالأدوية المباحة، والرقية الشرعية، والدعاء الشرعي من طريق الأطباء المختصين، أو من طريق القراء المعروفين بحسن العقيدة، أمر أباحه الله جل وعلا، ولا بأس به، وقد صحت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يدل على جوازه، بل على استحبابه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: عباد الله، تداووا ولا تداووا بحرام وقوله صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله وقوله صلى الله عليه وسلم: لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا والأحاديث في هذا الباب كثيرة. والله ولي التوفيق[1].


تعليق لسماحة المفتي العام على الندوة التي شارك فيها كل من الشيخ: يوسف بن محمد المطلق والشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق في موضوع (السحر والكهانة والتنجيم)، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 8/ 75).

الأحد، 2 أبريل 2023

خطبة عن احكام الصيام لابن عثيمين رحمه الله

 بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله خلقكم لعبادته كما قال الله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات:56-58]، وقد بين الله لكم طريق عبادته، ومن عليكم بمواسم الخير تتكرر عليكم وتتوالى بما فيها من الفضائل والمكارم وعظيم الأجور، فعظموا - رحمكم الله - هذه المواسم، واقدروها حق قدرها، بفعل الطاعات والقربات، واجتناب المعاصي والموبقات، فإن الله لم يجعل هذه المواسم إلا لتكفير سيئاتكم، وزيادة حسناتكم، ورفعة درجاتكم.
أيها الناس، إن من المواسم العظيمة التي ينبغي للإنسان أن ينتهز فرصها بطاعة الله ذلكم الشهر الكريم، الذي قال الله - عز وجل - فيه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ﴾ [البقرة:185]، شهر الخير والبركات والرحمة، هذا الشهر جعله الله - تعالى - ميداناً للتسابق إلى الخيرات، فإنه شهر تضاعف فيه الحسنات، وتعظم فيه السيئات، "جعل الله صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوعا لتكميل فرائضكم"(1)، "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه"(2)، "ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه"(3)، "ومن أتى فيه بعمرة كان كمن أتى بحجة"(4)، "فيه تفتح أبواب الجنة وتكثر الطاعات من أهل الإيمان، وتغلق أبواب النار فتقل المعاصي من أهل الخير، وتغل فيه الشياطين فلا يخلصون إلى أهل الإيمان بمثل ما يخلصون إليهم في غيره"(5).
أيها الناس "صوموا لرؤية هلال رمضان"(6)، ولا تقدموا عليه بصوم يوم أو يومين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين"(7)، إلا إذا كان على الإنسان قضاء من رمضان الماضي فليقضه، أو كان له عادة بصوم فليصمه، فإذا كان للإنسان عادة أن يصوم يوم الإثنين وصادف أن يكون قبل رمضان بيوم أو يومين فلا حرج عليه أن يصومه، وكذلك من كان يصوم من الشهر ثلاثة أيام فلم يتيسر له أن يصومها إلا في آخر شعبان فلا حرج عليه في ذلك، ولا تصوموا يوم الشك: وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا كان في ليلته ما يمنع رؤية الهلال من غيم أو قتر، ففي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين"(8)، ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"(9)، وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبي القاسم صلى الله عليه وسلم"(10)، ومن رأى الهلال يقيناً فليخبر به ولاة الأمور ولا يكتمه، وإذا أعلن في الإذاعة السعودية ثبوت رمضان فصوموا، وإذا أعلن فيها ثبوت شوال فأفطروا؛ لأن الإعلان من جهة ولاة الأمور حكم بذلك، جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أنه رأى الهلال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً"(11).
وصوم رمضان أحد أركان الإسلام فرضه الله على عباده، فمن أنكر فرضيته وقال: إني مخير بين الصوم وعدم الصوم فهو كافر مرتد؛ لأنه مكذب لله، ورسوله، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]، وقال الله عز وجل: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:185]، "فالصوم واجب على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر، مقيم، ذكراً كان أم أنثى"(م1)، "غير الحائض والنفساء"(12)، "فلا يجب الصوم على كافر، فلو أسلم في أثناء رمضان لم يلزمه قضاء ما مضى، ولو أسلم في أثناء اليوم من رمضان أمسك بقية اليوم ولم يلزمه قضاءه"(م2)، ولا يجب الصوم على صغير لم يبلغ، لكن إن كان لا يشق عليه أمر به؛ ليعتاده، "فقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يصومون أولادهم الصغار حتى إن الصبي ليبكي من الجوع فيعطونه لعبةً يتلهى بها إلى الغروب كما جاء في الحديث المتفق عليه من حديث الرُبيع بنت مسعود رضي الله تعالى عنها"(13)، "ويحصل بلوغ الصغير إن كان ذكراً بواحد من أمور ثلاثة: أن يتم له خمس عشرة سنة، أو تنبت عانته، أو ينزل منياً بشهوة باحتلام أو غيره، وتزيد الأنثى بأمر رابع: وهو الحيض، فمتى حصل للصغير واحد من هذه الأمور فقد بلغ ولزمته فرائض الله وغيرها من أحكام التكليف إذا كان عاقلاً"(14)، وهنا نقف لننبهكم على أن بعض النساء تبلغ بالحيض وهي صغيرة، فقد تحيض لإحدى عشر سنة ولكنها لا تصوم إما لجهلها أو لجهل أهلها، وعلى هذا فيجب البحث عن هذا الأمر ونشره بين الناس حتى يعرف؛ لأن السؤال عنه كثير، فإن بعض النساء تحيض وهي في الحادية عشرة أو في الثانية عشرة وتظن هي أو أهلها أنه لا يجب عليها الصوم حتى تبلغ خمس عشرة سنة وهذا خطأ، فمتى حاضت ولو لتسع سنين وجب عليها الصوم؛ لأنها صارت مكلفة، "ولا يجب الصوم على من لا عقل له كالمجنون، والمعتوه، ونحوهما، وعلى هذا المُهذري لا يلزمه الصوم، ولا الإطعام عنه، ولا الطهارة، ولا الصلاة؛ لأنه فاقد للتمييز فهو بمنزلة الطفل، ولا يجب الصوم على من يعجز عنه عجزاً دائماً كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، ولكنه يطعم بدلاً عن الصيام عن كل يوم مسكين بعدد أيام الشهر، لكل مسكين خمس صاع من البر، أي: أن الصاع المعروف عندنا هنا يكفي لخمسة فقراء عن خمسة أيام، والأحسن أن يجعل مع الطعام شيئاً يأدمه من لحم أو دهن، ويجزئ عن البر الرز، بل هو خير منه في بعض الأحوال، وأما المريض بمرض يرجى برؤه فإن كان الصوم لا يشق عليه ولا يضره وجب عليه أن يصوم؛ لأنه لا عذر له، وإن كان الصوم يشق عليه ولا يضره فإنه يفطر ويكره له أن يصوم، وإن كان الصوم يضره فإنه يحرم عليه أن يصوم، ومتى برء من مرضه قضى ما أفطر، فإن مات قبل برؤه فلا شيء عليه، والمرأة الحامل التي يشق عليها الصوم لضعفها أو ثقل حملها يجوز لها أن تفطر ثم تقضي إن تيسر لها القضاء قبل وضع الحمل أو بعده إذا طهرت من النفاس، والمرضع التي يشق عليها الصوم من أجل الرضاع أو ينقص لبنها بالصوم نقصاً يخل بتغذية الولد تفطر ثم تقضي في أيام لا مشقة فيها ولا نقص على الولد"(م3)، "وأما المسافر فإن قصد بسفره التحيل على الفطر فالفطر حرامٌ عليه، ويجب عليه الصوم حتى في سفره؛ لأن هذا سفر لا تستباح به الرخص، وإن لم يقصد بسفره التحيل على الفطر فهو مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر وقضى عدد الأيام التي أفطر، والأفضل له فعل الأسهل عليه"(15)، "فإن تساوى عنده الصوم والفطر فالصوم أفضل"(16)؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه أسرع في إبراء ذمته؛ ولأنه أخف من القضاء غالباً، فإن كان الصوم يشق عليه بسبب السفر كره له أن يصوم، وإن عظمت المشقة واشتدت حرم أن يصوم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا - صلى الله عليه وسلم - بقدح من ماء بعد العصر فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب والناس ينظرون فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: "أولئك العصاة أولئك العصاة"(17).
أيها المسلمون، أتدرون متى كان سفر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا؟ إنه كان سفره في فتح مكة، وقد فتحها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أثناء الشهر، قيل: في اليوم العشرين من الشهر وبقي مفطراً في مكة عشرة أيام بقية الشهر لم يصم صلى الله عليه وسلم، وبهذا نعرف أن ما يتكلفه بعض الناس إذا ذهبوا للعمرة تجد الصوم يشق عليهم في مكة ومع ذلك يصومون، وهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فوالله ما هم أشد حباً للطاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا هم أكمل هدي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يصم في مكة في العشر الأواخر من رمضان، بل ترك الصوم؛ لأن الفطر كان في ذلك الوقت أيسر له، وعلى هذا فإذا وصل الإنسان إلى مكة وهو معتمر وكان يشق عليه أن يؤدي العمرة وهو صائم قلنا له: أفطر ولو في أثناء اليوم، وأدِّ العمرة براحة، وقد وسع الله عليك، فلا تشق على نفسك.
أيها المسلمون، "إنه لا فرق في المسافر بين أن يكون سفره عارضاً لحاجة أو مستمراً في غالب الأحيان، مثل: أصحاب سيارات الأجرة (التكاسي) أو غيرها من السيارات الكبيرة، فإنهم متى خرجوا من بلدهم فهم مسافرون، يجوز لهم ما يجوز للمسافرين الآخرين من الفطر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، والجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء عند الحاجة، والفطر لهم أفضل من الصيام إذا كان الفطر أسهل لهم، ويقضونه في أيام الشتاء؛ لأن أصحاب هذه السيارات لهم بلد ينتمون إليها، وأهل فيها يأوون إليهم، فمتى كانوا في بلدهم فهم مقيمون، وإذا خرجوا منها فهم مسافرون، لهم ما للمسافرين وعليهم ما على المسافرين، ومن سافر في أثناء اليوم في رمضان وهو صائم فالأفضل أن يتم صومه، فإن وجد مشقة فليفطر ثم يقضه بعد ذلك، ولا يتقيد السفر بزمن، فمتى خرج من بلده مسافراً فهو على سفر حتى يرجع إلى بلده، ولو أقام مدةً طويلة إلا أن يقصد بتطويل مدة الإقامة التحيل على الفطر فإنه يحرم عليه الفطر، ويلزمه الصوم؛ لأن فرائض الله لا تسقط بالتحيل عليها"(18)، "ولا يجب الصوم على الحائض والنفساء ولا يصح منهما"(19)، "إلا أن تطهرا قبل الفجر ولو بلحظة فيجب عليهما الصيام، ويصح منهما وإن لم تغتسلا إلا بعد طلوع الفجر، ويلزمهما قضاء ما أفطرتاه من الأيام"(20).
أيها المسلمون، هذه جملة من أحكام الصوم، وإذا كان الناس في رمضان يصومون ويقومون فإن من المهم أن تبين أحكام القيام في هذا الشهر المبارك، فلقد رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في قيام هذا الشهر وقال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(21)، وإن صلاة التراويح من قيام رمضان فأقيموها، وأحسنوها، وقوموا مع إمامكم حتى ينصرف، "فإن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"(22)تامة، وإن كان نائماً على فراشه، وإن على الأئمة أن يتقوا الله - عز وجل - في هذه التراويح، فيراعوا من خلفهم، ويحسنوا الصلاة لهم فيقيموها بتأنٍ وطمأنينة، ولا يسرعوا فيها، فيحرموا أنفسهم ومن وراءهم الخير، أو ينقروها نقر الغراب لا يطمئنون في ركوعها ولا سجودها، ولا قيامها ولا قعودها، إن على الأئمة أن لا يكون هم الواحد منهم أن يخرج قبل الناس، أو أن يكثر عدد التسليمات دون إحسان الصلاة، فإن الله - تعالى - يقول: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك:2] ولم يقل: أيكم أسرع نهاية أو أكثر عملاً بلا إحسان، وقد كان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وهو أحرص الناس على الخير والأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر - "كان لا يزيد على إحدى عشر ركعة لا في رمضان ولا في غيره"(23)، ولكنه يطيل ذلك، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى من الليل ثلاثة عشر ركعة"(24)، فمن صلى التراويح إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة فلا حرج عليه، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه قام بأصحابه في رمضان ثم ترك ذلك خشية أن تفرض على الناس فيعجزوا عنها"(25)، "وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أمر أبي بن كعب وتميم الداري أن يقوما في الناس بإحدى عشرة ركعة"(26)، فهذا العدد الذي قام به النبي - صلى الله عليه وسلم - وواظب عليه واتبعه فيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو أفضل عدد تصلى به التراويح، ولكن ينبغي أن يطيل الإنسان فيها حتى يتمكن الناس من الدعاء، ولو زاد الإنسان على هذا العدد رغبة في الزيادة لا رغبة عن السنة لم ينكر عليه؛ لورود ذلك عن بعض السلف، وإنما المنكر الإسراع الفاحش الذي يفعله بعض الأئمة فيفوتوا الخير على نفسه وعلى من خلفه.
اللهم إنا نسألك أن توفقنا جميعاً لاغتنام الأوقات بالطاعات، وأن تحمينا من فعل المنكر والسيئات، اللهم اهدنا صراطك المستقيم، وجنبنا صراط أصحاب الجحيم،اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً بك، واحتساباً لثوابك، إنك جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السبت، 1 أبريل 2023

كتاب حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد ....

 بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه .


فهذه رسالة لطيفة مفيدة للشيخ العلامة محمد بن سلطان المعصومي الحنفي رحمه الله


 في موضوع مهم جداً

وقع فيه بعض الناس وهي رسالة نادرة


 اعتنى بطبعها الشيخ محمد بن عبدالرحمن الخميس وفقه الله .


https://archive.org/details/180-pdf_20210110

سلسلة منتقى المنشورات [0046]: موسوعة أسماء الله وصفاته - الإصدار الأول [نسخة منقحة]

 سلسلة منتقى المنشورات [0046]: موسوعة أسماء الله وصفاته - الإصدار الأول [نسخة منقحة]:


 برنامج موسوعي يعتني بجمع المؤلفات التي اختصت بتحقيق وشرح واثبات أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، ليتحقق للمسلم بذلك "أول ما يجب على الإنسان في دينه من معرفة الله، ويتم ذلك على الوجه الأكمل بمعرفة أسماء الله وصفاته وأفعاله في خلقه، والإيمان بتلك الأسماء والصفات والأفعال، وإقرارها". ويتم له بذلك "الاعتقاد في الله وفي أسماء جلاله وصفات كماله كما تعرف الله إلينا بها في كتابه العظيم وكما علمنا نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - لتمتلئ قلوبنا بها نوراً وإيماناً ويقيناً وإعظاماً وإجلالاً".



رابط الموقع:


https://www.islamspirit.com/islamspirit_ency_062.php


نبذة عن سلسلة منتقى: هي سلسلة مواضيع منتقاة من صفحات المواقع المفيدة أو مختارة من منشورات الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) النافعة، قد توافق مناسبة من مواسم العام، أو إعادة ترويج محتوى قيم، أو على سبيل نشر العلم والخير والعظة والتذكير {فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.


والله ولي التوفيق.


موقع روح الإسلام


https://www.islamspirit.com

كتاب مصور: تلبيس إبليس - ابن الجوزي (بي دي اف)

 كتاب مصور: تلبيس إبليس - ابن الجوزي (بي دي اف)



عنوان الكتاب: تلبيس إبليس.
المؤلف: عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت: 597).


نبذة عن الكتاب:


تلبيس إبليس هو كتاب ألفه الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد ابن الجوزي القرشي التيمي البكري المولود في بغداد سنة 510هـ، والمتوفى فيها سنة 592هـ، وقد قسم ابن الجوزي الكتاب إلى ثلاثة عشر بابا، محذرا فيه من فتنة الشيطان إبليس ومخوفا من ألاعيبه، ويكشف عن مستور أعماله في إضلال العباد عن الصراط المستقيم، ويفضح فيه غروره وغرور من أتبعه من الهالكين من بني آدم.


أبواب الكتاب
الباب الأَوَّل: الأمر بلزوم السنة والجماعة
الباب الثاني: فِي ذم البدع والمبتدعين
الباب الثالث: فِي التحذير من فتن إبليس ومكايده
الباب الرابع: فِي معنى التلبيس والغرور
الباب الخامس: فِي ذكر تلبيسه فِي العقائد والديانات
الباب السادس: فِي ذكر تلبيس إبليس عَلَى العلماء فِي فنون العلم
الباب السابع: فِي تلبيس إبليس عَلَى الولاة والسلاطين
الباب الثامن: ذكر تلبيس إبليس عَلَى العباد فِي العبادات
الباب التاسع: فِي ذكر تلبيس إبليس عَلَى الزهاد والعباد
الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزهاد
الباب الحادي عشر: فِي ذكر تلبيس إبليس عَلَى المتدينين بما يشبه الكرامات
الباب الثاني عشر: فِي ذكر تلبيس إبليس عَلَى العوام.
الباب الثالث عشر: فِي ذكر تلبيس إبليس عَلَى الكل بتطويل الأمل.


المخطوطات


من المخطوطات المعتمدة في طبعة دار الوطن في الرياض مخطوطة كتبت سنة 613 هـ بخط أحمد بن سعيد بن أحمد الناسخ وهي محفوظة في الخزانة العامة في الرباط.


نبذة عن المؤلف


من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة


ابن الجوزي، هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري. فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم (510هـ/1116م - 12 رمضان 597 هـ) ولد وتوفي في بغداد. حظي بشهرة واسعة، ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف، كما برز في كثير من العلوم والفنون. يعود نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق.


عرف بابن الجوزي لشجرة جوز كانت في داره ببلدة واسط، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى «فرضة الجوز» وهي مرفأ نهر البصرة.


نسبه
هو الإمام العالم المؤرخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادى بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي القرشي.


حياته
كان أهله تجارا في النحاس، توفي والده علي بن محمد وله من العمر ثلاث سنين، على الرغم من فراق والده في طفولته فقد ساعده ثروة أبيه الموسر في توجهه لطلب العلم وتفرغه له، فقد ترك له من الأموال الشيء الكثير، وقد بين أنه نشأ في النعيم، بقوله في صيد الخاطر:


فمن ألف الترف فينبغي أن يتلطف بنفسه إذا أمكنه، وقد عرفت هذا من نفسي، فإني ربيت في ترف، فلما ابتدأت في التقلل وهجر المشتهى أثر معي مرضا قطعني عن كثير من التعبد، حتى أني قرأت في أيام كل يوم خمسة أجزاء من القرآن، فتناولت يوما ما لا يصلح فلم أقدر في ذلك اليوم على قراءتها، فقلت: إن لقمة تؤثر قراءة خمسة أجزاء بكل حرف عشر حسنات، إن تناوله لطاعة عظيمة، وإن مطعما يؤذي البدن فيفوته فعل خير ينبغي أن يهجر، فالعاقل يعطي بدنه من الغذاء ما يوافقه


عاش ابن الجوزي منذ طفولته ورعاً زاهداً، لا يحب مخالطة الناس خوفاً من ضياع الوقت، ووقوع الهفوات، فصان بذلك نفسه وروحه ووقته، فقال فيه الإمام ابن كثير عند ترجمته له «وكان -وهو صبي- ديناً منجمعاً على نفسه لا يخالط أحداً ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان». قال ابن الجوزي واصفاً نفسه في صغره:


كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم


كان له دور كبير ومشاركة فعالة في الخدمات الاجتماعية، وقد بنى مدرسة بدرب دينار وأسس فيها مكتبة كبيرة ووقف عليها كتبه وكان يدرس أيضا بعدة مدارس، ببغداد.


محنته


في عهد الخليفة الناصر عينه ابن يونس الحنبلي في ولايته منصب الوزارة بعد أن سحب المنصب من عبد السلام بن عبد الوهّاب بن عبد القادر الجيلي الذي أحرقت كتبه بسبب اتهامه بالزندقة وعبادة النجوم.


خلف ابن القصاب منصب ابن يونس الحنبلي فلاحق كل من له صلة به، فكان مصير ابن الجوزي النفي. أخرج ابن الجوزي من سجن واسط وتلقاه الناس وبقي في المطمورة خمس سنين.


صفحة للمرجع (منتقى من مكتبة الدين الخالص بمركز دراسات تفسير الاسلام):


https://csiislam.org/single_library_dine.php?id=119


والله ولي التوفيق.


نقله: موقع روح الإسلام


https://www.islamspirit.com

الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

بيان هيئة كبار العلماء حول خطورة التسرع في التكفير والقيام بالتفجير ..

 بيان هيئة كبار العلماء حول خطورة التسرع في التكفير والقيام بالتفجير وما ينشأ عنهما من سفك للدماء وتخريب للمنشآت .



الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه , أما بعد :

فقد درس مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة بالطائف ابتداء من تاريخ 2\4\1419هـ ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها من التكفير والتفجير , وما ينشأ عنه من سفك الدماء , وتخريب المنشآت , ونظرا إلى خطورة هذا الأمر , وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة , وإتلاف أموال معصومة , وإخافة للناس , وزعزعة لأمنهم واستقرارهم , فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك نصحا لله ولعباده , وإبراء للذمة وإزالة للبس في المفاهيم لدى من اشتبه عليهم الأمر في ذلك , فنقول وبالله التوفيق :

أولا : التكفير حكم شرعي , مرده إلى الله ورسوله , فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله , فكذلك التكفير , وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل , يكون كفرا أكبر مخرجا عن الملة .

ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله ؛ لم يجز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة , فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن , لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة , وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات , مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير , فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات ؛ ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر , فقال : " أيما امرىء قال لأخيه : يا كافر , فقد باء بها أحدهما , إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " . وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول أو العمل أو الإعتقاد كفر , ولا يكفر من اتصف به , لوجود مانع يمنع من كفره .

وهذا الحكم كغيره من الأحكام التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها , وانتفاء موانعها كما في الإرث , سببه القرابة - مثلا - وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين , وهكذا الكفر يكره عليه المؤمن فلا يكفر به .


وقد ينطق المسلم بكلمة بالكفر لغلبة فرح أو غضب أو نحوهما فلا يكفر بها لعدم القصد , كما في قصة الذي قال :" اللهم أنت عبدي وأنا ربك " . أخطأ من شدة الفرح .

والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال , ومنع التوارث , وفسخ النكاح , وغيرها مما يترتب على الردة , فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة .


وإذا كان هذا في ولاة الأمور كان أشد ؛ لما يترتب عليه من التمرد عليهم وحمل السلاح عليهم , وإشاعة الفوضى , وسفك الدماء , وفساد العباد والبلاد ,


 ولهذا منع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من منابذتهم , فقال :" إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان " . فأفاد قوله :" إلا أن تروا " , أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة . 


وأفاد قوله :" كفر " أنه لا يكفي الفسوق ولو كبُرَ , كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار , والإستئثار المحرم . وأفاد قوله : " بواحا " أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح أي صريح ظاهر ,


 وأفاد قوله : " عندكم فيه من الله برهان " . أنه لابد من دليل صريح , بحيث يكون صحيح الثبوت , صريح الدلالة , فلا يكفي الدليل ضعيف السند , ولا غامض الدلالة . 


وأفاد قوله : " من الله " أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . 


وهذه القيود تدل على خطورة الأمر .

وجملة القول : أن التسرع في التكفير له خطره العظيم ؛ لقول الله عز وجل : (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به , سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )) - الأعراف 33 - .

ثانيا : ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطىء من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض , وسلب الأموال الخاصة والعامة , وتفجير المساكن والمركبات , وتخريب المنشآت , فهذه الأعمال وأمثالها محرمة شرعا بإجماع المسلمين ؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة , وهتك لحرمة الأموال , وهتك لحرمات الأمن والإستقرار , وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم , وغدوهم ورواحهم , وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها .



وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم وأعراضهم وأبدانهم , وحرم انتهاكها , وشدد في ذلك , وكان من آخر ما بلغ به النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقال في خطبة حجة الوداع :" إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا , في بلدكم هذا " . ثم قال صلى الله عليه وسلم :" ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد " . متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم :" كل المسلم على المسلم حرام , دمه وماله وعرضه " . 


وقال عليه الصلاة والسلام :" اتقوا الظلم , فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " .

وقد توعد الله سبحانه من قتل نفسا معصومة بأشد الوعيد , فقال سبحانه في حق المؤمن : (( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )) - النساء 93 - .


وقال سبحانه في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة )) - النساء 92 -


فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة , فكيف إذا قتل عمدا , فإن الجريمة تكون أعظم , والإثم يكون أكبر . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة " .

ثالثا : إن المجلس إذ يبين حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخطورة إطلاق ذلك , لما يترتب عليه من شرور وآثام , 


فإنه يعلن للعالم أن الإسلام بريء من هذا المعتقد الخاطىء ,

 وأن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة ,


 وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة , 

وتخريب للمنشآت هو عمل إجرامي , والإسلام بريء منه , 

وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه , وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف , وعقيدة ضالة , فهو يحمل إثمه وجرمه


فلا يحتسب عمله على الإسلام , ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام , المعتصمين بالكتاب والسنة , المستمسكين بحبل الله المتين , وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة ؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه محذرة من مصاحبة أهله .

قال الله تعالى : (( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام , وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد , وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد )) . - البقرة 204 - 206 - .


والواجب على جميع المسلمين في كل مكان التواصي بالحق , والتناصح والتعاون على البر والتقوى , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة , والجدال بالتي هي أحسن , كما قال الله سبحانه وتعالى : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب )) - المائدة 2 -
وقال سبحانه : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم )) - التوبة 71 - , وقال عز وجل : (( والعصر , إن الإنسان لفي خسر , إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .)) - سورة العصر -

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة " . قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال: " لله , ولكتابه , ولرسوله , ولأئمة المسلمين وعامتهم " , وقال عليه الصلاة والسلام :" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد , إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " , والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .

ونسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكف البأس عن جميع المسلمين , وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد وقمع الفساد والمفسدين , وأن ينصر بهم دينه , ويعلي بهم كلمته , وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان , وأن ينصر بهم الحق , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

رئيس المجلس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى .


إجماع الفقهاء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله تعالى ...

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعبن 

فأن السمع والطاعة بالمعروف في غير معصية الله تعالى 

لولاة الأمور المسلمين من أصول أهل السنة والجماعة 

وفارقهم في ذلك الخوارج والرافضة والمعتزلة وغيرهم من أهل البدع 


وهذه نبذة يسيرة من أقوال العلماء الراسخين من السلف والخلف 

في هذه القضية  المهمة :

قال الإمام ابن بطة العكبري -رحمه الله -:

(( ثم من بعد ذلك الكف والقعود عن الفتنة 

ولاتخرج بالسيف على الأئمة وإن ظلموا ))

قال ذلك بعد قوله (( ....وحذر منه من اهل البدع والزيغ


مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم الى وقتنا هذا ))

 الشرح والإبانة ص175

وقال المزني صاحب الشافعي -رحمهم الله -:

((وترك الخروج عليهم عند تعديهم وجورهم والتوبة الى الله عزوجل

 كيما يعطف بهم على رعيتهم ))

ثم ذكر إجماع الأئمة على هذا فقال :

((هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى ....))

الشرح والإبانة (( 175))

وقال الإمامان ابوحاتم وأبوزرعة الرازيان


 فقد قررا هذه العقيدة وقالا :

((أدركنا العلماء في جميع المصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً ....))

اللالكائي في شرح أصول الإعتقاد ( 321-323)

نقل ابن حجر رحمه الله الإجماع على عدم جواز الخروج على السلطان الظالم :

 فقال قال ابن بطال :


((وفى الحديث حجة على ترك الخروج على السلطان ولو جار.

وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه 

وأن طاعته خير من الخروج عليه لما فى ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء))


فتح البارى 13/7

ونقل الامام النووى -رحمه الله - الإجماع على ذلك 

فقال 

((وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام باجماع المسلمين 

وإن كانوافسقة ظالمين

 وقد تظاهرت الاحاديث على ماذكرته وأجمع أهل السنه أنه لاينعزل السلطان بالفسق....... ))


شرح النووى 12/229




الأربعاء، 26 أغسطس 2020

سلسلة العلماء [0052]: مواضيع وفوائد مفصلة حول أنواع التوحيد سلسلة العلماء

سلسلة العلماء [0052]: مواضيع وفوائد مفصلة حول أنواع التوحيد

سلسلة العلماء [0052]: محتويات المنشور:
* موسوعة الشهادتين - الإصدار الأول
* أنواع التوحيد - مقال
* بيان أنواع التوحيد والفرق بينها - الشيخ ابن باز
* الفرق بين أنواع التوحيد الثلاثة - الشيخ عبد الكريم الخضير
* العلاقة بين أقسام التوحيد - مقال
* في العلاقة التلازمية بين أنواع التوحيد - فتوى

الإخوة الكرام .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ننشر مواضيع وفوائد مفصلة حول أنواع التوحيد كاضافة للمادة -السابق نشرها- من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية (المتوفى : 1421هـ) رحمه الله، ويعاد نشرها مع المواضيع المتعلقة والفوائد لمن يرغب في المزيد من التباحث والفائدة:

=== المواضيع الملحقة والفوائد ===

* موسوعة الشهادتين - الإصدار الأول: برنامج موسوعي يعتني بجمع المصنفات التي اختصت ببيان الركن الأول من أركان الإسلام الذي لا يصح إسلام العبد إلا به: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً -عليه الصلاة والسلام- رسول الله. ويشمل أبرز المؤلفات التي عنيت بأساس الملة والعقيدة: الشهادتين، وشروطها ومقتضاها وآثارها في سلوك المسلم، و انعكاس ذلك على اصلاح المجتمع المسلم، وما يعقبه من النجاة والفوز في الآخرة.
https://www.islamspirit.com/islamspirit_ency_131.php

* أنواع التوحيد - مقال عن موقع موضوع
https://mawdoo3.com/%D8%A3%D9%86%D9%...AD%D9%8A%D8%AF

* بيان أنواع التوحيد والفرق بينها - الشيخ ابن باز - صوتي ومفرغ
https://binbaz.org.sa/fatwas/2190/%D...86%D9%87%D8%A7

* الفرق بين أنواع التوحيد الثلاثة - الشيخ عبد الكريم الخضير - صوتي ومفرغ
https://shkhudheir.com/fatawa/817842783

* العلاقة بين أقسام التوحيد - مقال عن الألوكة
https://www.alukah.net/sharia/0/59347/

* في العلاقة التلازمية بين أنواع التوحيد - فتوى للشيخ محمد علي فركوس
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-906

=== انتهى ===

=== نص المادة ===

(27) وسئل فضيلته: كيف كانت " لا إله إلا الله " مشتملة على جميع أنواع التوحيد؟
فأجاب بقوله: هي تشمل جميع أنواع التوحيد كلها، إما بالتضمن، وإما بالالتزام، وذلك أن قول القائل: " أشهد أن لا إله إلا الله " يتبادر إلى الذهن أن المراد بها توحيد العبادة - الذي يسمى توحيد الألوهية - وهو متضمن لتوحيد الربوبية؛ لأن كل من عبد الله وحده، فإنه لن يعبده حتى يكون مقرا له بالربوبية، وكذلك متضمن لتوحيد الأسماء والصفات؛ لأن الإنسان لا يعبد إلا من علم أنه مستحق للعبادة، لما له من الأسماء والصفات، ولهذا قال إبراهيم لأبيه: {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} . فتوحيد العبادة متضمن لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.

المصدر: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية (المتوفى : 1421هـ) رحمه الله - جمع وترتيب : فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان - الناشر : دار الوطن - دار الثريا - الطبعة : الأخيرة - 1413 هـ (ج 1 - ص 82).

=== انتهى ===

والله ولي التوفيق.

موقع روح الإسلام

https://www.islamspirit.com

الخميس، 13 أغسطس 2020

كفارة الغيبة ...

 السؤال


في كفارة الغيبة ، هل يجزئ قول" رب اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات " عن الاستغفار لمن اغتبته ، أم يجب الدعاء له بالاسم ؟
نص الجواب

الحمد لله.

الغيبة من كبائر الذنوب ، ولا شك أن جميع المسلمين يدركون هذا ، ويعلمون ما للمغتاب من عذاب عند الله تعالى ، والخطورة في هذا الذنب تأتي من وجهين اثنين :

1- أنه متعلق بحقوق العباد ، فهي لذلك أشد خطرا ، إذ يتعدى فيها الظلم إلى الناس .


2- أنها معصية سهلة ينقاد إليها غالب الناس إلا من رحم الله ، والشيء السهل يحسبه الناس – في العادة – هينا وهو عند الله عظيم .
وفي أمر كفارة الغيبة لا بد من التنبيه إلى بعض الجوانب المهمة :
أولًا : سبق في موقعنا في العديد من الفتاوى بيان أن كفارة الغيبة هي الاستغفار لمن اغتبته ، والدعاء له ، والثناء عليه في غيبته . وللتذكير بهذه الفتاوى وقراءة كلام أهل العلم يرجى من القارئ الكريم مراجعة الأرقام الآتية : 6308 ، 23328 ، 52807 ، 65649.


ثانيًا : إلا أن تقرير كون الاستغفار كفارة للغيبة لا يعني وقوعها كافيةً في ذلك ، فإن الأصل أن الذنوب لا تُمحى إلا بالتوبة الصادقة التي يصحبها الإقلاع ، والندم ، وعدم العود ، وصدق القلب في معاملة الخالق سبحانه ، ثم يُرجى لمن جاء بهذه التوبة أن يغفر الله له ذنبه ، ويعفو عنه خطيئته .


أما حقوق العباد ، ومظالم الخلق ، فلا يكفرها إلا عفوُ أصحابها عنها ومغفرتهم لها ، دليل ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول :


" مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ " رواه البخاري :2449.
فقد جاء الأمر بالتحلل من المظالم قبل أن يوافيَ الناسُ يومَ الحساب ، فيكون التحلل يومئذ بالحسنات والسيئات ، وتكون الخسارة الحقيقية على من ظلم الناس في أموالهم أو أعراضهم أو دمائهم .


ثالثًا : فالواجب على من أراد أن يستبرئ لنفسه من إثم الغيبة أن يسعى جاهدًا في التحلل ممن اغتابه ، فيطلب منه العفو والصفح ، ويعتذر إليه بالكلام اللين والحسن ، ويبذل في ذلك ما يستطيع ، حتى إن اضطر إلى شراء الهدايا القيمة الغالية ، أو تقديم المساعدة المالية ، فقد نص العلماء على جواز ذلك كله في سبيل التحلل من حقوق العباد .


ولما رأى أهل العلم من السلف الصالحين والفقهاء الربانيين أن التحلل من العباد في أمر الغيبة قد يؤدي – في بعض الحالات - إلى مفسدة أعظم ، فيوغر الصدور ، ويقطع الصلات ، وقد يُحمِّلُ القلوب من الأحقاد والأضغان ما الله به عليم ، رخص أكثر أهل العلم في ترك التحلل ، ورجوا أن يكفي في ذلك الاستغفار للمغتاب والدعاء له والثناء عليه في غيبته .
وإن كان آخرون من أهل العلم ذهبوا إلى أن الغيبة لا يكفرها إلا عفو صاحب المظلمة عنها .


لكن الصواب أنه إذا صدقت توبة مرتكب الغيبة ، لم يلزمه أن يخبر بذلك من اغتابه ، لاسيما إن خاف مفسدة ذلك ، كما هو الغالب .
إذًا فالاستغفار لمن اغتبته إنما هو عذر طارئ ، وحالة ضرورة اقتضتها الشريعة التي تقدم درء المفاسد على جلب المصالح .
وفهم ما سبق يبين خطأ من يتساهل في إثم الغيبة معتمدًا على أن الاستغفار كافٍ في تكفير تلك المعصية ، ولم يدرِ أنه أخطأ في ذلك من ثلاثة وجوه :


1- أنه نسي أن شرط التوبة الأساسي هو الندم والإقلاع وصدق الإنابة إلى الله تعالى ، وهذا الشرط قد لا يوفق لتحقيقه كثير من الناس .


2- أن الأصل في تكفير حقوق العباد السعي في طلب العفو منهم ، فإن كان التقدير أن إخباره بالغيبة سيؤدي إلى مفسدة أعظم ، فيلجأ إلى الاستغفار حينئذ ، وإلا فالأصل أنه يذهب ليطلب الصفح ممن ظلمه .
3- وذلك يدلك على أن المغتاب إن كان قد بلغه ما اغتابه به رجل آخر ، فإنه - والحالة هذه - لا بد من طلب العفو منه مباشرة ، كي يزيل ما أصاب قلب المغتاب من أذى ، وما حمله من كره أو حقد عليه ، فإن لم يعف ولم يصفح ، فليس ثمة حيلة بعد ذلك إلا الاستغفار والدعاء .


رابعًا :
ثم بعد ذلك كله ، هل يظن السائل أن الاستغفار بصيغةٍ عموميةٍ " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات " كافٍ في تكفير إثم الغيبة ؟!!


نحن نقول إننا حين نرجو من الله أن يكون الدعاء والاستغفار مكفرا للسيئات ، لا بد أن نصدق الله في هذا الدعاء ، فنخلص فيه المسألة ، ونبتغي إليه الوسيلة فيه ، ونكرره في مواطن الإجابة ، وندعو فيه بكل خير وبركة له في الدنيا والآخرة ، ولا شك أن هذه الحالة من الدعاء تقتضي تخصيص المدعو له : إما بذكر اسمه ، أو بذكر وصفه فتقول : اللهم اغفر لي ولمن اغتبته وظلمته ، اللهم تجاوز عنا وعنه..إلى آخر ما يمكن أن تدعو به .


أما الصيغ العامة فلا تبدو كافية في تحقيق ما ترجو من الله تعالى ، فكما أنك اغتبته باسمه أو وصفه ، وخصصته بالأذى ، فكذلك ينبغي أن يكون الاستغفار والدعاء مخصصًا حتى تقابل السيئات بالحسنات .


خامسًا :

ينبغي التنبه إلى أن المقصد من الاستغفار والدعاء هو دفع السيئة بالحسنة ، ومقابلتها بها ، ولذلك فلا يتحتم الاستغفار دون غيره من الأعمال ، بل يمكن أن تعمل العمل الصالح ليكون ثوابُه مقدَّما لمن اغتبته ، كأن تتصدق عنه أو تقدم له المساعدة ، وتقف معه في محنه ، فتحاول تعويضه عن ذلك الأذى بما تستطيع .


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في "مجموع الفتاوى"18/187-189 :


" وأما حق المظلوم فلا يسقط بمجرد التوبة ، وهذا حق ، ولا فرق فى ذلك بين القاتل وسائر الظالمين ، فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم ، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته ، وإن لم يعوضه فى الدنيا فلا بد له من العوض فى الآخرة ، فينبغى للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات ، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسا ، ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا راد لفضله ، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء ، ولهذا فى حديث القصاص الذى ركب فيه جابر بن عبدالله إلى عبدالله بن أنيس شهرا حتى شافهه به ، وقد رواه الإمام أحمد – 3/495 - وغيره ، واستشهد به البخارى فى صحيحه ، وهو من جنس حديث الترمذى صحاحه أو حسانه ، قال فيه " إذا كان يوم القيامة فإن الله يجمع الخلائق فى صعيد واحد ، يسمعهم الداعى وينفذهم البصر ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ، أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه"


وفى صحيح مسلم من حديث أبى سعيد " أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتص لبعضهم من بعض ، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة " وقد قال سبحانه وتعالى لما قال "وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا " والاغتياب من ظلم الأعراض - قال " أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ غڑ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ "الحجرات:12.


فقد نبههم على التوبة من الاغتياب ، وهو من الظلم .


وهذا فيما علمه المظلوم من العوض ، فأما إذا اغتابه أو قذفه ولم يعلم بذلك ، فقد قيل : مِن شرط توبته إعلامه . وقيل : لا يشترط ذلك . وهذا قول الأكثرين ، وهما روايتان عن أحمد ، لكن قوله مثل هذا أن يفعل مع المظلوم حسنات : كالدعاء له ، والاستغفار ، وعمل صالح يهدى إليه يقوم مقام اغتيابه وقذفه . قال الحسن البصري : كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته " انتهى .
والله أعلم .



المصدر: الإسلام سؤال وجواب


https://islamqa.info/ar/answers/9955...8A%D8%A8%D8%A9